أحوال الجاهلية الجانب السياسي
عالم شباب سوريا :: المشاركات :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
أحوال الجاهلية الجانب السياسي
الجانب السياسي :
كان الواقع السياسي في تلك الجزيرة في غاية التخلف والانحطاط؛ فالنبي لم يبعث في أمة مجتمعة تحت كلمة واحدة وتحت راية واحدة، لم يبعث في مجتمع موحد تجمعه رابطة واحدة، لقد كان العرب لا يدينون بالخضوع لأحد أبداً، وكان في مكة وفي جزيرة العرب وقت مبعث النبي من الحكام والأمراء والولاة بعدد ما فيها من السكان؛ لأنه لم يكن بشر يخضع لبشر، كانت حالهم في التفرق والخصام أمر لا يخفى على من يقرأ سيرهم، ولهذا امتن الله تبارك وتعالى على أصحاب النبي بنعمته عز وجل فقال: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ،ويقول وهو يخاطب الأنصار:"ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي وضلالاً فهداكم الله بي ومتفرقين فجمعكم الله بي"، لقد كانت الحرب تفعل فعلها بين الأوس والخزرج، وكانوا أمة لا تقوم لهم قائمة، وحين جاء النبي بهذه الرسالة وربى ذاك الجيل، ما هي إلا سنوات معدودة حتى كان الأوسي يقف إلى جوار أخيه الخزرجي، وكان يؤاخيه ويصاهره، كان يعدُّه أخاً له ربما أقرب إليه من أخ له في قبيلته لأنه يرى أنه أكثر طاعة لله عز جل . كانت أمة قد أكلتها الحروب و أهلكت فيها الأخضر واليابس، كانت الحروب كما يصورها شاعرهم :
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتموا * وما هو عنها بالحديث المرجم
كانت الحروب يتحدث بها الغادي والرائح، البسوس وداحس والغبراء ويوم بعاث، أيام يعرفها الصغير والكبير ويعرفها القاصي والداني وكلها ناطقة وشاهدة على التخلف والتفرق والتشرذم والفوضى التي كانت سائدة في جزيرة العرب آنذاك، كان الولاء الذي يعرفه أولئك هو الولاء للقبيلة، كان حكيمهم وشيخهم وسيدهم يقول:
وهل أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشدِ
كانت القبيلة تعاب وتذم حين تكون لا تقع في الظلم
قبيلة لا يغدرون بذمة * ولا يظلمون الناس حبة خردل
وكان المنطق السائد
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم * ومن لا يظلم الناس يظلم
كان هذا هو المنطق السائد عند الناس، لا يعرفون إلا قيمة القبيلة والولاء للقبيلة فجاء هذا الدين وجاءت هذه الرسالة لتصهر الناس في بوتقة واحدة، لنرى نماذج عجيبة من موازين الناس ومن القيمة للناس . جاء القرشي الشريف من بني مخزوم ليقف في صف واحد مع الأوسي من بني عبد الأشهل ويقف مع مولى من الموالي، يقف الجميع لا يجمعهم إلا كلمة واحدة، ولا يلتقون إلا على راية واحدة .
من كان يتخيل أن تلك العروش من الكيانات والافتخار بالقبيلة والانتماء لها ستنهار، ليحل محلها رابطة واحدة ويرفع مكانها لواء واحد: لواء الأخوة في الله والمحبة في الله، ليكون المعيار والميزان الذي يقاس به الناس هو الدين والخضوع لله تبارك وتعالى؟
إن أولئك الشرفاء من بني مخزوم وبني أسلم ومن غفار وغيرهم، كانوا يرضون جميعا أن يسيروا في جيش تحت إمرة وطاعة مولىً من الموالي، كانوا يرضون أن يسيروا في جيش زيد بن حارثة رضي الله عنه، ثم يُؤمَّر عليهم بعد ذلك ابنه أسامة رضي الله عنه وهو مولىً وشاب لم يتجاوز العشرين من عمره، فيسير الجميع كلهم في صف واحد ويسمعون له ويطيعون ! إن كل ذلك يعود إلي أثر التربية النبوية التي تركت أثرها في ذلك الجيل العظيم.
عالم شباب سوريا :: المشاركات :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى