أحوال الجاهلية الجانب الاجتماعي
عالم شباب سوريا :: المشاركات :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
أحوال الجاهلية الجانب الاجتماعي
الجانب الاجتماعي:
وفي الجانب الاجتماعي كان مجتمعهم مجتمعاً تسيطر عليه الطبقية، ولهذا جاء نقد هذه المظاهر في أول الإسلام، فحينما أراد النبي صل الله عليه وسلم أن يدعو شرفاء قريش، رغبة منه أن يكسب أحداً منهم، لتكون له قيمته في الدعوة وأثره، فجاء ابن أم مكتوم وهو أعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وأعرض عنه، فنزل العتاب من الله عز وجل (( عبس وتولى ،أن جاء الأعمى ،وما يدريك لعله يزكى ، أو يذكر فتنفعه الذكرى ….)) الآيات. وحينما جاء عتَّاب رضي الله عنه ليقابل عمر رضي الله عنه، فسأله : من استخلفت على أهل الوادي يعني أهل مكة قال: ابن أبزى قال : ومن يكون ؟ قال :مولىً من موالينا، قال :استخلفت عليهم مولىً؟ قال !! حافظ لكتاب الله، عالم بالفرائض، قال :إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين.
كان أولئك لا يعرفون إلا الفخر بالأحساب والأمجاد الشخصية، وتمجيد القبيلة ومُعلَّقة عمرو بن كلثوم شاهدة بذلك والتي يبالغ فيها وصف قبيلته يقول فيها :
ونشرب إن وردنا الماء صفوا
ملأنا البر حتى ضاق عنا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
ونحن البحر نملأه سفينا
تخر له الجبابر ساجدينا
إن اللغة التي كانت تسيطر على منطق الجميع هي لغة الافتخار بالقبيلة والطعن في أحساب الآخرين، فجاء هذا الدين وقضي على تلك الأمجاد، فلم يعد العربي يفضل على الأعجمي إلا بالتقوى.
كان مجتمعا لا يقيم وزنا للمرأة فكان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، ويبلغ الحال به أن يختفي عن أعين الناس من سوء ما بشر به.
كانوا يمارسون التسلط والحجر على المرأة فحين تكون اليتيمة في حجر أحدهم وهي ذات مال، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت غير ذلك لم يزوجها حتى تموت، فيرثها ويأخذ مالها، وبعد أن جاء هذا الدين، غير هذه العادات الاجتماعية في أقل من عقدين من الزمن، حتى أصبحت المرأة تبشر بالجنة، فلقد بشر النبي صل الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، ويؤكد صلى الله عليه وسلم على القيام بحقوق النساء فيقول:" فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم "
وكان هذا المجتمع يعاني من الفساد الأخلاقي، فكان النكاح كما تذكر عائشة رضي الله عنها
أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل. والنكاح الرابع: يجتمع الناس الكثيرون فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما، فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك. فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم. (رواه البخاري).
وكانت الخمرة قد سيطرت عليهم وفعلت بهم الأفاعيل، فحين يتحدث الشاعر منهم عن معركة أو غزوة يتغنى بالخمر، بل تبلغ الخمر منزلة عند بعضهم، أن تكون مما يستحق أن يبقى في الحياة من أجلها كما قال أحدهم:
فلولا ثلاث هم من عيشة الفتى
فمنهن سبق العاذلات بشربة
وربك لم أحفل متى قام عودي
كميت متى ما تعل الماء تزبد
ويقول أحدهم موصيا إذا مات أن يدفن قريبا من تلك الشجرة التي كان يصنع منها الخمر :
إذا ما مت فادفني إلى جنب كرمة
ولا تدفني بالفلاة فإنني
تروي عظامي بعد موت عروقها
أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
هكذا كانت قيمتها عندهم، وحين جاء الإسلام كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -شأنهم شأن سائر الناس- يشربون الخمر ويتغنون بها كما قال حسان رضي الله عنه :
ونشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
حين جاء الإسلام بتحريم الخمر أراق أوتلك الآنية آلتي كانت معهم حتى امتلأت أزقة المدينة وشوارعها من الخمر.
إن الإفاضة في الحديث عن تلك النقلة حديث يطول، لكن نكتفي بهذه الأمثلة التي أشرنا إليها والتي كلها شاهدة على أن المجتمعات مهما بلغت من السوء والفساد والتأخر والتخلف، فهي قادرة على أن تسترد عافيتها وقادرة على أن تنهض من كبوتها، حين تُدْعى إلى المنهج الحق، وحين تتربى عليه.
إن التغيير الذي حصل للجيل الأول يعتبر نموذجاً، وشاهداً لكل من يحمل عزيمة وإرادة في الإصلاح والتغيير.
والتغيير الذي حصل لذلك الجيل ليس على مستوى المجتمعات فقط، بل هو على مستوى الأفراد كذلك، فحين نتأمل شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان جبارا في الجاهلية، ويرى الناس أنه أبعد الناس عن الحق، بل كانوا يرون أن يسلم حمار الخطاب ولا يسلم عمر، ولما آمن هذا الرجل، واتبع النبي صل الله عليه وسلم ، تغيرت حاله، فتراه حينما تولى الخلافة رحيما شفوقا رفيقا ولما جاء رسول كسرى ليقابل خليفة المسلمين وجد الخليفة ـ عمر رضي الله عنه- نائما تحت الشجرة قال قولته المشهورة:
فقال قولة حق أصبحت مثلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوما قريرالعين هانيها
إن عمر رضي الله عنه ـ وهو خليفة المسلمين ـ كان يحمل على كتفه الدقيق والماء يوصله إلى أرملة ليمسح به دمعة عجوز، ودمعة يتيم، إن عمر لما دخل الإيمان في قلبه تغير حاله وكان خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهاك نموذج آخر: إنه مصعب بن عمير رضي الله عنه، الذي كان شابا مترفا، كان من أعطر فتيان مكة، عاش في بيئة ثرية، وليس في مكة شاب أكثر منه نضارة ووضاءة، وبعد أن تبع النبي صلى الله عليه وسلم واستشهد في غزوة أحد مقبلاً غير مدبر، بحثوا عنه بين الموتى فلما رأوه لم يجدوا ما يكفنوه به إلا ثوب واحد، إن غطوا به رأسه بدت رجلاه، وإن غطوا به رجليه بدت رأسه، رضي الله عنه وأرضاه، وأنزل الله عز وجل فيه وغيره (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )) أي تغيير حصل في شخصية ذلك الرجل الذي كان يعيش حياة الترف والرخاء؟
إن ذلك يعطينا دلالة واضحة على أن المجتمعات يمكن أن تتغير، وأن الأفراد يمكن أن يتغيروا، وذلك حينما تكون هناك تربية جادة منتجة.
يروي حذيفة رضي الله عنه حديثا يقول فيه: " كان الناس يسألون النبي صل الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، فقال :إن كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فسأل حذيفة : هل بعد هذا الخير من شر؟ قال :نعم ،قال: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قال :وما دخنه ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي تعرف وتنكر.
لقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيحصل خير لهذه الأمة بعد ذلك الشر الذي سيصيبها، مما يعني أن المجتمعات يمكن أن تتغير، حين تحمل إدارة التغيير وتتربى التربية الحقة.
كيف انتقل ذاك الجيل هذه النقلة ؟
هذا سؤال عريض تطول الإجابة عنه، لكني أشير هنا إشارة سريعة، كانت من أهم العوامل وراء هذه النقلة العظيمة: العناية بالإيمان والتركيز على التغيير الداخلي ابتداء، إن التربية التي تتوجه إلى مظاهر السلوك البارزة أمام الناس، تربية قاصرة وتربية لا تستطيع أن تقف أمام السيل الجارف من المؤثرات، إنها تربية تعالج القشور وتغفل عن اللباب، إنها تعالج مظاهر المرض وتغفل عن أصله وجوهره، والبيت الذي يعاني من خلل في أساسه لا يمكن أبدا أن يخضع إلى الترميم والتحسين. لقد حاولت أقوى أمة في عالم القوة المادية أن تمنع الخمر وقامت بسن تشريعات وقوانين كثيرة، استنفرت طاقتها، ثم بعد سنوات أعلنت عجزها وفشلها، لماذا فشل أولئك في حين أن هذه الأمة لم تحتج إلا إلى آيتين تنزل فيخضع الناس ويريقون الخمر من بيوتهم؟ وقل مثل ذلك في المخدرات والتحلل الجنسي والشذوذ الأخلاقي.
لقد فشلت لأن التربية المعاصرة اتجهت إلى المظهر دون الحقيقة،ولو اتجهت التربية إلى بناء الإيمان في النفوس لحققت هذه الأهداف التي تتطلع إليها.
ومن عوامل النجاح: أن التربية كانت تتم من خلال الميدان، ومن خلال العمل والتطبيق؛ فالجيل الذي تربى على هذه الرسالة لم يكن يستمع إلى التوجيهات أو تلقى إليه المواعظ والكلمات فقط، إنما كان يربى من خلال العمل والميدان والقدوة والممارسة، كان النبي صلى الله علية وسلم يصاحبهم ويصلي معهم ويذهب معهم، ويعايشهم السراء والضراء.
وحين نتأمل سؤالا جديرا بالتفكير، كيف نجح النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته ودعوته في حين لم ينجح الحنفاء الذين كانوا على التوحيد ؟
إن هذا الحديث إنما هو لبعث الأمل في نفوس سيطر عليها اليأس من التغيير والإصلاح، أسأل الله أن يجعلنا من حملة الرسالة والدعاة إلى الإصلاح؛ إنه سميع مجيب.
عالم شباب سوريا :: المشاركات :: تاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى